الثلاثاء، 1 مايو 2012

حرب السلام في الصومال


تاريخيا استعمرت بريطانيا القسم الشمالي من الصومال والذي كان يعرف بـ"الصومال البريطاني" وتحرر هذا القسم في 27 يونيو / حزيران 1960 ليشكل مع القسم الجنوبي الذي تحرر في 1 يوليو من نفس العام ما سمي بجمهورية الصومال.


قنبلة واشتباكات تؤدي إلى مقتل ما لا يقل عن 38 شخصا في الصومال..


وتعتبر التركة الاستعمارية التي خلفها الاستعمار البريطاني والإيطالي معا إحدى جذور الأزمة الصومالية الراهنة،
حيث ساعدت إيطاليا إثيوبيا في غزوها لإمارة هرر الإسلامية والاستيلاء عليها في 26 يناير/ كانون الثاني 1887. ووهبت بريطانيا منطقة الأوغادين إلى إثيوبيا عام 1889 بعد اشتراكها في إخماد الثورة المهدية في السودان، كما ضمت إثيوبيا أيضا الأراضي المحجوزة ومنطقة هرر وأكدت بريطانيا رضاءها بذلك في معاهدة 1897 التي بموجبها تم تعيين الحدود بين الصومال البريطاني وبين إثيوبيا. كما قامت بريطانيا بضم منطقة "أنفدي" المنطقة الشمالية الحدودية إلى كينيا، والتي تشكل نصف مساحة كينيا المعروفة اليوم تقريبا في الستينات.




من الصومال : عبد الرحمن سهل / مقديشو


بدأت الولايات المتحدة الأمريكية حملة دبلوماسية، وإعلامية ضد الشعب الصومالي بسبب الاستقرار الذي انتشر في معظم مناطق جنوب الصومال، والتي كانت في وقت قريب مسرحاً للعمليات التخريبية، بدعم أمريكي، وإثيوبي. 
وتتركز الحملة الأمريكية على الشعب الصومالي على المحاور التالية: 
وهي وجود مجموعات معادية لها داخل المحاكم الإسلامية، وأن الأخيرة تمثل تهديداً واضحاً على دول جوار الصومال، إضافة إلى زحفها نحو المناطق المستقرة من الصومال، مثل بونتلاند، وصومال لاند. هذه المسوّغات وغيرها تروّجها أمريكا الآن في المحافل الإقليمية والدولية في إطار سعيها على رفع حظر الأسلحة المفروض على الصومال منذ عام 1992م لنشر قوات إقليمية في الصومال لمساعدة الحكومة الانتقالية الضعيفة والمحاصرة . 
ولكي تتضح الأمور أكثر وخاصة لمن لا يتابع مجريات الأحداث في الصومال، نقول: إن أمريكا بشّرت الصوماليين عام 1992م بزرع شجرة الديموقراطية في مقديشو بانهيار نظام محمد سياد برى المحكوم عليه بالموت من قبل واشنطن، وقد اتخذت جميع الإجراءات التي تحقق إستراتيجيتها الجديدة؛ إذ قرر مجلس الأمن الدولي إرسال قوات أممية إلى الصومال بقيادة أمريكية، ولكن كانت النهاية لتلك القوات مأساوية، وكان الثمن الذي دفعه الصوماليون باهظاً؛ إذ أدت الديموقراطية الأمريكية إلى مقتل عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء، وتدمير للبيوت، وتهجير قسري، ونهب الأموال، لقد كان فصلاً جديداً من فصول الصراع في المنطقة الذي سُمّي في وسائل الإعلام الحرب الأهلية الصومالية، والتي استمرت زهاء (16) عاماً. كان الدافع الديني وراء التحرك الأمريكي نحو الصومال عام 1992م، لصد انتشار الثقافة الإسلامية بصورة لافتة في جميع المناطق الصومالية. 
وتفادياً من تحقيق هذا الهدف الإستراتيجي في منطقة القرن الإفريقي، دخلت قوات أممية بقيادة أمريكية إلى الصومال عام 1992م لتحقيق الأمور التالية:- 
1. القضاء على القوى الإسلامية والتي برزت بصورة مفاجئة في الساحة الصومالية في أقل من عام بعد انهيار الحكومة المركزية الصومالية عام 1991م. 
2. التأكيد على أن منطقة القرن الإفريقي خالية من أنظمة معادية لأمريكا، وإعداد قادة جدد أمريكية لحماً، ودماً، تبشر بالمشروع الأمريكي في المنطقة. 
3. إعطاء فرصة تاريخية للمنظمات والهيئات الغربية العاملة في مجال التنصير ليصدوا الصوماليين عن دينهم الإسلامي، ولا تزال تلك الهيئات تعمل في الصومال، تحت عدة مسميات زائفة. ونتساءل الآن: لماذا تروّج أمريكا الآن لفكرة إرسال قوات إقليمية إلى الصومال؟ وما الفرق بين الحالة الصومالية عام 1992م، وحالها اليوم 2006؟ ولماذا وزّعت واشنطن مُسوّدة قرار في مجلس الأمن الدولي يوم 1/12/2006م، الذي يطالب برفع حظر الأسلحة المفروض على الصومال منذ عام 1992م، ونشر قوات إقليمية في الصومال؟ 
في الحقيقة موقف واشنطن من خلال مجلس الأمن الدولي في الوقت الراهن غير منطقي؛ لأن الساحة هادئة، ومن تعوّد إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء، ويعشق قتل الشعوب بالضربات العسكرية تارة، وبالحصار الجائر تارة أخرى باسم لسلام والدفاع عن الديموقراطية والحرية، فلا يمكن أن يتخلى عن مشروعه العدواني، أمريكا هي المتصفة بالمواصفات العدوانية المذكورة. 
لكن التقرير الأمريكي الجديد عن الصومال والذي طلبت بموجبه من مجلس الأمن رفع حظر الأسلحة المفروض على الصومال استند إلى معلومات خاطئة، ومسوّغات واهية. 
والأغرب من كل ذلك عدم قبول واشنطن المحاكم الإسلامية كقوة جديدة في منطقة القرن الإفريقي، وإتاحة الفرصة لها للعب دور سياسي، وأمني وإستراتيجي في المنطقة لاختلاف المناهج، والمشاريع. 
من جانبها المحاكم الإسلامية نفت الاتهامات الأمريكية الموجهة إليها، واصفة إياها بأنها عارية عن الصحة، كما أنها لا تهدّد أمن منطقة القرن الإفريقي، وهي ليست مصدر قلق لأي أحد، ودعت أمريكا أن تزور المناطق التي تسيطر عليها المحاكم الإسلامية، بدلاًً من إطلاق الاتهامات الملفقة من البيت الأبيض، وأديس أبابا، ونيروبي. على أمريكا أن تحترم خيار الشعب الصومالي، وتدعم الاستقرار الذي عمّ على جميع المناطق التي تسيطر عليها المحاكم الإسلامية، وتوقف مُسودّة قرارها الذي يمر في مراحله الأولى في مجلس الأمن الدولي، والذي يدعو إلى نشر قوات إقليمية في الصومال. على مجلس الأمن الدولي أن يناقش بجدية ما يجري الآن في أفغانستان، والعراق لا أن يوجد مشاكل دولية جديدة في السودان، وفي الصومال. مسوّدة القرار الذي وزعته واشنطن في مجلس الأمن الدولي في 1/12/20006م يهدف إلى تحقيق الأمور التالية:- 
1. القضاء على المحاكم الإسلامية التي برزت كقوة جديدة في الساحة الصومالية، مما يعني أن المجتمع الدولي يسعى إلى عرقلة محادثات السلام الصومالية المقرر عقدها في الخرطوم في منتصف هذا الشهر. 
2. فتح جبهة جديدة ساخنة في الصومال، مثل العراق، هذه المرة قد لا تخوض القوات الأمريكية معركة مباشرة مع قوات المحاكم الإسلامية، ولكنها حرب بالوكالة. القوات الإقليمية هي التي تقوم بهذا الدور الجديد، وقد تشارك القوات الجوية الأمريكية في العمليات الحربية القادمة بين القوات الإفريقية، والمحاكم الإسلامية، فهل يمكن أن يصوت غالبية أعضاء مجلس الأمن الدولي ضد القرار الأمريكي الجديد تفادياً لاندلاع حرب إقليمية في المنطقة؟ أم أن القوم حسموا أمرهم لتتحول الساحة الصومالية إلى عراق جديد؟ 
3. إعطاء الشرعية للقوات الإثيوبية المحتلة للأراضي الصومالية، تحت مسوّغات واهية، وهي الدفاع عن الحكومة الانتقالية الضعيفة. 
ومهما يكن من أمر فإن أمريكا أصبحت سيفاً مسلولاً على رقاب المسلمين فقط، وعائقاً كبيراً أمام تقدم شعوب المنطقة، وعلى الرغم من أن مشروع قرارها الجديد قد أثار جدلاً واسعاً محلياً، وإقليمياً، ودولياً لصالح السلام والاستقرار في الصومال، إلاّ أن واشنطن تدق طبول الحرب في الصومال، وأشقاء الصوماليين يصفقون لأمريكا. 

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية